ما فضل ليلة القدر؟
بقلم: هيثم بن عامر العمايرة، يوم الاثنين 2014/8/4.
الحمد لله، وصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد،
إن ليلة القدر المباركة هي من نعم الله تعالى علينا التي لا تعد ولا تحصى، لعظم ما فيها من الخير والبركة، وهي إحدى ليالي شهر رمضان المبارك، وتقع هذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان باتفاق العلماء، ولكن اختلفوا في تحديدها في أي ليلة من الليالي العشر بالضبط، ففي بعض الأحاديث ما يبين أنها في الوتر من العشر الأواخر، أي الأيام الفردية، وفي حديث رواه البخاري أنها في السبع الأواخر، وهناك حديث آخر للبخاري برقم: (1919)، أن الرسول يأمر بالتماس ليلة القدر في الليلة التاسعة والسابعة والخامسة، وقد جاء في العديد من الأحاديث المرفوعة للرسول تحديد ليلة القدر بليلة السابع والعشرين من رمضان، وأكثر الصحابة والعلماء على أنها ليلة السابع والعشرين، ومن العلماء من رجح أنها تتنقل في كل عام. والله تعالى أعلم.
ومن المؤكد أن الله تعالى قد أخفى تحديد هذه الليلة حتى يجتهد المسلمون في الطاعات والقربات والقيام والدعاء والاعتكاف في العشر الأواخر حتى يدركوا الليلة، ويكون لهم أجر عظيم، وأنه لو تم تحديدها لقصر المسلمون في باقي الليالي من دونها، لذلك قد أخفى الله تعالى تحديدها على الأمة.
إن ليلة القدر لها فضل عظيم، فهي من أفضل ليالي السنة، وقد جاء في القرآن الكريم ما ينص على هذه الأفضلية، حيث قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر: ١ - ٥].
ويبين الإمام النووي سبب تسمية هذه الليلة بهذا الاسم حيث يقول: « قال العلماء: وسميت ليلة القدر لما يكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة كقوله تعالى: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: ٤ ]، وقوله: { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) } [القدر: ٤ ]، ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له، وقبل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها... » (شرح النووي على مسلم ص723).
فاسم هذه الليلة يدل على أفضليتها وعظمها وشرفها كما أشار الإمام النووي لذلك، ويستحب لكل مسلم أن يجتهد في تحري هذه الليلة وأن يقومها حتى ينال الأجر العظيم عند رب العالمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له من تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. » (رواه البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، حديث رقم: 2014).
ومما يزيد في عظمة هذه الليلة وأهميتها أن القرآن الكريم أنزل فيها، وقد نقل العلامة ابن كثير عن ابن عباس قوله وقول غيره من المفسرين: « أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ... » (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج8 / ص425).
ولليلة القدر بعض العلامات التي تعرف بها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث رقم (762) الذي رواه مسلم، أن من علاماتها أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها، ومنها أيضًا ما بينه الله تبارك وتعالى في سورة القدر بقوله: { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } [القدر: ٥ ]، ومعنى هذا أنها سالمة من كل الشرور كما فسرها المفسرون، (راجع: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج8 / ص428).
على كل مسلم أن يتحرى ليلة القدر، وأن يجتهد في العشر الأواخر من رمضان بالقربات والعبادات: كالقيام، والدعاء، والمحافظة على الصلوات وخاصة الجماعات، والاعتكاف، وغير ذلك. حتى يدرك هذه الليلة المباركة، وينال الأجر الكبير، وختامًا نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا، إنه سميع مجيب الدعاء، والحمد لله رب العالمين.
المقالات المتعلقة بما فضل ليلة القدر